خطابات الإمام السيّد علي الخامنئي

الطلاب الجامعيون " ضباط " المواجهة في " الحرب الناعمة " واساتذتهم قادتها

الطلاب الجامعيون " ضباط " المواجهة في " الحرب الناعمة " واساتذتهم قادتها


البحث العلمي يجب أن يكون في خدمة الحاجات 

حينما أُعلن العقد القادم - وهو العقد الذي نمرُّ حاليًا بسنته الأولى - عقدًا للتقدم والعدالة ؛ فلا شك أنّ من الركائز الرئيسيّة لذلك ، هو العلم وتنمية العلم وتعميقه في البلاد. كما أنّ أساس الإعلان عن هذا العنوان -عنوان عقد التقدّم- كان بالاستناد إلى حالات التقدّم التي لوحظت في البلاد على الصعيد العلمي. أي إنّ هناك أمل ، بأنّنا نستطيع في غضون عقد واحد من الزمان تحقيق تطوّر مشهود وحركة سريعة في المجالات العلميّة ؛ تعوِّض جانبًا من تأخّرنا. إذن، قضية العلم مهمّة. والمهم هو العلم والبحث العلمي.
النقطة التي ذكرها بعض الأعزاء والتي أشدّد عليها أيضًا: أن يكون البحث العلمي محل اهتمام أوّلًا. وثانيًا أن يجد هذا البحث العلمي طريقه لسد احتياجات البلاد. أي أن نجري بحوثًا علميّة نكون بحاجة إليها فعلًا. قلت مرارًا للأخوة في المجلس الأعلى للثورة الثقافيّةــ  وربما ذكرت ذلك هنا أيضًا: يجب أن لا نجعل ملاك تقدّمنا العلمي نشر بحوثنا في مجلات "آي. اس. آي."  لا نعرف إذا كان ما يُقترح [من أبحاث فيها] ، ويُشجّع ويُحترم الباحث من أجله ؛ هو ما تحتاجه بلادنا بالضبط. علينا نحن أن نشخّص المجال الذي يجب أن نكتب البحوث في حدوده، والآفات التي يجب أن يتوجّه إليها البحث العلمي. طبعًا من المهم والضروري ، أن تكون لذلك انعكاسات وأصداء في المجامع العالميّة. وستكون له مثل هذه الانعكاسات والأصداء. القصد هو أن نجعل البحث العلمي تابعًا لاحتياجاتنا.

الحذر من تدريس العلوم الانسانية بمضمونها الغربي من دون نقد
وأقول في هذا الصدد : إنّه وفقًا للتقارير التي وصلتنا حول أعداد الطلاب الجامعيّين في بلادنا الذين يدرسون في الجامعات الرسميّة والخاصة ــ وكذلك جامعة (پيام نور) وسائر جامعات البلاد ــ هناك ما يقارب 3.5 مليون طالب جامعي. منهم مليونان يدرسون العلوم الإنسانيّة. هذا شيء يُقلق الإنسان من ناحية معيّنة. كم لدينا من الأعمال المحلّية والبحوث الإسلاميّة في مضمار العلوم الإنسانيّة؟ كم لدينا من الكتب المُعدَّة في مجالات العلوم الإنسانيّة؟ ما هو عدد الأساتذة البارزين المؤمنين بالرؤية الكونيّة الإسلاميّة ويعملون في تدريس علم الاجتماع، أو علم النفس، أو الإدارة، وما إلى ذلك؛ حتى يدخل كل هؤلاء الطلبة الجامعيّين في هذه الفروع؟ هذا شيء مقلق. تبتنى الكثير من قضايا العلوم الإنسانيّة على فلسفات ماديّة . وعلى فلسفات تنظر إلى الإنسان على أنّه حيوان. وعلى عدم مسؤوليّة الإنسان قبال الله تعالى. وعلى عدم الاكتراث للنظرة المعنويّة للإنسان والعالم. فإذا عمدنا إلى هذه العلوم الإنسانيّة وترجمناها ، وأخذنا ما قاله الغربيّون وكتبوه كما هو ودرّسناه لشبابنا؛ نكون في الواقع قد نقلنا إليهم مفاهيم الشك والارتياب وعدم الاعتقاد بالمباني الإلهيّة والإسلاميّة وقيمنا الذاتيّة ، على شكل مواد دراسيّة. هذا ليس بالشيء المحبّذ كثيرًا. هذه من جملة الأمور التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار؛ سواء في المنظومات الحكوميّة كوزارة العلوم، أو في المجلس الأعلى للثورة الثقافيّة، أم في مركز اتّخاذ القرار الموجود هنا والمتمثّل بالجامعات وما هو خارج نطاق الجامعات. على كلّ حال، هذه نقطة على جانب كبير من الأهميّة. هذا فيما يتعلّق بقضايا الجامعة.

التقدم العلمي في البلاد مسؤولية الجميع
خلاصة الكلام فيما يتّصل بقضايا الجامعات والعلم والتقدّم العلمي هي : أنّ من الأركان المهمّة الأولى التي يجب أن نتابعها في "عقد التقدم والعدالة" هو ركن العلم. والجميع مسؤولون في هذا المجال. هناك مسؤوليّات تقع على عاتق الجامعات . وهناك مسؤوليّات يتحمّلها الأساتذة. من المهم جدًّا حضور الأساتذة في الجامعات خلال ساعات التدريس ؛ وفي ساعات تقديم المشورة إلى الطلاب الجامعيّين.

الطلاب الجامعيون ضباط المواجهة في حرب الاعداء " الناعمة "
النقطة الثانية تتعلّق بالقضايا الاجتماعيّة والسياسيّة. ولا أريد الخوض كثيرًا في هذا البحث. لاحظتم جميعًا أنّ البلاد تعرّضت خلال فترة من الزمان لاختبار سياسي جد مصيري. وكما أشار بعض الأصدقاء ؛ فقد استطاعت "هاضمة النظام" والبلاد ، هضم الأحداث في داخلها والتغلّب عليها. وسبق أن قلتُ : إنّ وقوع مثل هذه الأحداث لم يكن غير متوقّع إطلاقًا. وإذا أردتُ التعبير بشكلٍ أدقّ ربّما قلت "كثيرًا" بدل "إطلاقًا". بمعنى أنّ مثل هذه الأحداث متوقّعة إلى حدّ كبير. والأسباب متعدّدة: الرسالة التي ننشدها للنظام، والرسالة التي نفهمها للإسلام، والمعنى الذي نحمله في أذهاننا للجمهوريّة الإسلاميّة، والتعريف الذي رسمته الجمهوريّة الإسلاميّة لنفسها طوال هذه الأعوام الثلاثين، ووعي شعبنا وشبابنا وما اكتسبوه من تجارب، ووجود الحرية في البلاد وهو ما ينبغي أن يكون موجودًا بحكم الإسلام ونحن نعتقد به؛ وإنّ اعتقادنا بالحرية ليس مسألة تكتيكيّة إنّما هي مسألة واقعيّة. الحريّة بالمعنى الذي تطرحه الجمهوريّة الإسلاميّة لا بالمعنى الذي يطرحه الغربيّون، وهو معنى منحرف في نظرنا. ففي الأماكن والمواضع التي ينبغي أن تكون الحرية فيها متوفّرة هي غير متوفّرة وفي المواضع التي ينبغي وجود القيود والالتزامات تتحطّم القيود فيها وتتوفّر الحرية! هذا ما لا نقبل به على الإطلاق. وليس لنا أيّة مجاملة أو خجل مع الغرب في هذا الخصوص. إنّنا نتبنّى الحرية بمفهومها الإسلامي، وطبعًا، فيه حرية التعبير عن الرأي، وحرية السلوك، وحرية الفكر. في ضوء جميع هذه الأسباب نقول إنّ الأحداث الأخيرة لم تكن بخلاف المتوقّع كثيرًا. المهم هو أن يعلم الإنسان الشريف المؤمن المعتقد بالأهداف السامية للجمهوريّة الإسلاميّة ما الذي ينبغي أن يفعله في مثل هذه الأحداث. إنّ الأمر الذي يستدعي أن يكون خطابي لكم أيّها الجامعيّون بخصوص هذه القضيّة ضروريًّا- وأودّ هنا الإيجاز والاختصار- وقد ذكرت ذلك لطلاب الجامعات قبل أيام حينما كانوا هنا- حيث احتشدوا في هذه الحسينيّة مثل اجتماعنا هذا- هو أنّنا نواجه حربًا ناعمة وصراعًا ناعمًا يشنّه الأعداء ضدّنا. وقد أكّد الشباب أنفسهم مرارًا على هذا المعنى قبل أن أذكره؛ كرّروه وشدّدوا عليه وكان الجميع على علم به. لكن الشيء الذي أضفته هو أنّني قلت: في هذه الحرب الناعمة تمثّلون أنتم أيّها الطلبة الجامعيّون الضباطَ الشباب في هذه الجبهة. ولم أقل "الجنود"، لأنّ الجندي ينتظر الأوامر وحسب وعندما يقال له تقدّم يتقدّم، أو تراجع يتراجع. أي إنّ الجندي لا قرارات لديه وليست له إرادة إطلاقًا، بل ينبغي أن يعمل بأوامر القائد. كما لم أقل لهم إنّكم القادة والمخطّطون في المقرّات والوحدات الكبرى لأنّهم لا يضعون خططًا كبيرة شاملة. الضابط الشاب حاضر في الساحة، يعمل بالأوامر، وينظر إلى الساحة بشكلٍ صحيح، ويختبرها بجسمه وروحه. لذا، فهم ضباط شباب؛ هذا هو دور الطالب الجامعي. الحق أنّ للضباط الشباب أفكارهم ولهم أداءهم العملي، وحضورهم في الساحة، إنّهم يشاهدون الأوضاع ويعملون ضمن الإطار الكلي.

 ... والاساتذة الجامعيون قادتها

جيّد، فما هو إذًا موقع الأستاذ الجامعي بناءً على هذا التعريف؟
 إذا كان طلبتنا الجامعيّون هم الضباط الشباب في نطاق القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة وسائر القضايا التي تستدعي عيونًا مفتّحة وبصائر كافية ؛ فإنّكم كأساتذة لهم ، تقفون طبعًا في مرتبة أعلى وأرفع: أنتم القادة الذين يجب أن يبصروا القضايا العامة ويشخّصوا العدو بصورة صحيحة ويكتشفوا أهدافه. يجب عليكم في بعض الأحيان أن تستطلعوا مقرات العدو دون أن يشعر. وذلك من أجل أن ترسموا خططكم الشاملة وتتحرّكوا وفقًا لها. يمارس القادة الكبار هذه الأدوار في مراتبهم المختلفة.

جانب من واجبات الاساتذة الجامعيين تجاه الطلاب

1 ــ بث روح الأمل في المستقبل
الأستاذ الذي بإمكانه ممارسة هذا الدور هو الأستاذ المناسب لحاضر ومستقبل نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. هذا هو المتوقّع والمرجو من الأساتذة المحترمين. وجِّهوا شبابكم.  لا أقصد أن تعرِّفوا لهم زيدًا وعمرًوا من السياسيّين. كلا، في الأساس لا أرضى بهذا الأسلوب. إنّ ذكر أسماء زيد وعمرو وبكر و.. لا يساعد على حلّ المشكلة. امنحوهم القدرة على التحليل. امنحوهم القدرة على العمل والنشاط والحيويّة، كيف؟ عن طريق إحياء الأمل في نفوسهم؛ عن طريق منحهم الأمل. اجعلوا أجواء الصفوف والدراسة والجامعات أجواء أمل؛ أجواء أمل بالمستقبل. إنّ اليأس هو أسوأ بلاء يمكن أن ينـزل بجيل من الأجيال في بلدٍ ما هو اليأس . أن يقولوا: وما الفائدة؟ لا فائدة من ذلك. إنّ روحيّة "لا فائدة من ذلك" وروح اليأس من المستقبل سمٌّ مُهلك لكلّ الأنشطة الاجتماعيّة والسياسيّة، وحتى الأنشطة العلميّة والبحثيّة. فلو كان اليأس قد ضرب الذين أنجزوا الاكتشافات الكبرى في ميادين العلوم التجريبيّة وغيرها من العلوم وفقدوا الأمل بالنتيجة لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه يقينًا. الأمل هو تلك الطاقة العظيمة التي تتقدّم بالإنسان إلى الأمام. يريدون أن يبثّوا روح اليأس في شبابنا: اليأس من بلدهم، ومن ثورتهم، ومن مستقبلهم، ومن حكومتهم، ومن جامعاتهم، ومن مستقبلهم العلمي، ومن مستقبل عملهم؛ وهذا مضرّ جدًا. إنّ هذه من المهمّات المدرجة في خطط أعدائنا ومعارضي النظام.
 أعتقد أنّ هذه هي الواجبات الأساسيّة. اجعلوا فضاء الطالب الجامعي ومحيطه فضاءَ حيويّة وأمل وتحرّك نحو الأمام.

2ــ التشجيع على التفكير الحر
من الأمور الأخرى التي ينبغي النهوض بها فيما يتعلّق بشتى القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة والعلميّة ، هو إفساح المجال أمام الطالب الجامعي كي يبدي رأيه. ينبغي عدم الخوف من إبداء الآراء إطلاقًا. يجب إنشاء منابر التفكير الحرّ  التي ذكرناها ؛ ينبغي أن تشكّل وتؤسّس في الجامعات. 
إذا ما كان طرح النقاشات التخصصيّة المهمّة في الحقول السياسيّة والاجتماعيّة وحتى في الميادين الفكريّة والدينيّة بين أصحاب القدرة على النقاش وضمن أجواء سليمة فلا شك أنّنا سنتفادى الخسائر التي يفرضها علينا انسحاب هذه النقاشات إلى الأجواء الاجتماعيّة العامة. حينما يواجه أفراد عامة الناس لا يستطيع الجميع ضبط أنفسهم. إنّ المواجهة مع عامة الناس  تصيب الأفراد بالانحرافات والانحطاطات والكثير من الزلّات. وهذا ما شهدناه مع الأسف. تلاحظون أنّ الكثير من الأفراد يقولون شيئًا؛ لكن حينما يواجهون عامة الناس قد يقولون ما لا يعتقدون به في قرارة أنفسهم بشكل حقيقي. تفرض الأجواء نفسها عليهم كما يعبرّ البعض. هذا شيء سيّئ جدًا. إذا طرحت هذه المسائل في البيئات الخاصة وفي أجواء التفكير الحر ومن على منابر الفكر –التخصصيّة ، فستكون الخسائر أقلّ بلا شك. هذا ما يتعلّق بهذه القضيّة.

3 ــ إشاعة المعنويات ومناخات التعبد لله في أجواء الجامعات
وحول الجانب المعنوي الذي تحدّث عنه بعض الأعزاء، يجب القول إنّني أوافق مئة بالمئة أن تكون أجواء الجامعات أجواء معنويّة. فالأمن والشعور بالأمن الذي تكلّم عنه بعض الأحبّة بشكل صحيح إنّما يتحقّق يقينًا بفضل المعنويّة. ينبغي أن نضاعف من طاقات الشباب وقدراتهم بكلّ ما أوتينا فيما يتعلّق بصلتهم بالله، وبذكر الله ؛ واهتمامهم بعالم الغيب، وتعبّدهم بمباني الدين وأحكامه وشريعته والتسليم أمام الأحكام الإلهيّة. كلما كان شبابنا أكثر تعبّدًا وتديّنًا وذكرًا لله وشعورًا بالحاجة إلى الله، وكلّما رفعوا أيدي الحاجة نحو الله أكثر،؛كلّما كان عملهم وسلوكهم وفكرهم أطهر وأسلم وأقل آفاتٍ. وكلما انتفع المجتمع منه أكثر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كلمة الإمام الخامنئي في لقاء أساتذة الجامعات
 30/08/2009 


أضيف بتاريخ: 15/08/2015